الإنسان الخارق

 



"ورنا إبداعك"

"حتدهشنا كالعادة"

"أنت دائما تنجح"

"أنت موهوب سهل عليك"

"أكيد شغلك بيكون فوق المعقول"

"أنت تعرف كل شيء"

عبارات غالبا نسمعها ونرددها بقصد أو غير قصد اعتقادا منا أنها تسهم في شحذ همة الموهوب ودافعيته لتقديم الأفضل

وفي الحقيقة هي من الأمور الخفية التي قد لا يعرف عنها الموهوب أو يفهمها أو قد يخجل من التعبير عنها ويجهلها بعض الأسر والمجتمع .. وهي فكرة "الإنسان الخارق" الذي يمتلك مهارات كثيرة وقدرات عديدة ويعرف كل شيء

وهذا المقال سنوضح الفكرة بداية بقصة قصيرة عن طفلة موهوبة في عمر 6 سنوات تتكلم وتناقش كالكبار ولديها قدرة على القراءة والتفكير بشكل أكبر من عمرها واهتمام وقدرة وفهم لعلم الطائرات تفوق عمرها الزمني تم الذهاب بها لمركز طيران ومقابلة طاقم طيران متخصص اندهشوا بما رأوه من قدرتها على الفهم والشرح الدقيق لطريقة عمل الطائرة بشكل يفوقهم كمتخصصين، أخذوا الموهوبة في جولة وحصل خلل بالطائرة أثناء الجولة وتم الاعتماد عليها في حل هذه المشكلة ولكن الموهوبة لم تستطع اتخاذ القرار المناسب وإيجاد الحل مما أدى إلى تعطل الطائرة وسقوطها.. وبعد عمل تحقيق تبين أن الموهوبة تفتقد لمهارات معينة مثل مهارة اتخاذ القرار، هذا التصور الخاطئ عن الموهوبة ومعاملتها كشخص بالغ من جميع الجوانب أدى إلى نتائج غير محمودة بسبب التوقعات المبالغة وتجاهل وإهمال الجوانب الأخرى لديها

فعلا الموهوب يمتلك قدرات ومميزات عن غيره لكن ذلك لا يعني أنه يتقن كل شيء المبالغة في التوقعات والتقديرات تجعل الموهوب تحت عبء نفسي كبير وتشعره بتقصيره لأنه يتوقع من نفسه أنه قادر على كل شيء ويجب عليه النجاح في كل شيء وإذا أخفق فهذا نقص فيه وتقصير منه، وهذا الإدراك المشوه تجعله ينظر إلى نفسه نظرة سلبية تشككه بقدراته ويعتقد بشكل خاطئ أن هناك خطأ ما فيه

لأنه في الغالب الموهوبين لديهم رغبة متأصلة في تجنب الأخطاء وأن يكونوا الأفضل في كل شيء حيث أنهم يميلون إلى الكمالية ..

ومن أبرز السلوكيات المرافقة للكمالية لدى الموهوب:

·        القصور في إدارة الوقت بحيث يتأخر في تسليم المهام أو مغادرة قاعة الاختبار ودائما يكون غير راض عما يقدمه، ويردد دائما "لو كان عندي وقت لقدمت بشكل أفضل"

·        يغلب على تفكيره صيغة " يا أسود أو أبيض" لا يوجد لديه بديل ثالث أو حل وسط

·        الخوف المرضي من الإخفاق حيث أنهم لا يتحملون الحصول على درجة أقل من الكمال حتى لو كان ذلك في مرحلة التجربة والخطأ في التعلم

·        يحرم نفسه من الأمور التي يعيشها أقرانه من هم في نفس عمره مثل اللعب والشعور بالعاطفة

وهذه السلوكيات تسبب معاناة نفسية لدى الموهوب وتفقده الكثير من الخبرات الجديدة لأنه يسعى دائما للكمال وأن لاتهتز صورته أمام الآخرين ومما يزيد هذه المعاناة التوقعات الغير منطقية والمبالغة في المطالبات والتقديرات

تحميل الموهوب ما لا يطيق شعور صعب وقاسي يستنزف طاقته وتفقده ثقته بنفسه وتجعله ينظر إلى مزاياه على أنها عيوب وقد يحاول بشكل أو آخر تغيير نفسه كونه يحول ما يقوم به من متعة إلى ثقل سعيا لنتيجة ترضي من حوله وليس على أساس رضاه الشخصي وقد يؤدي إلى انسحابه ورفضه وتلاشي موهبته

ومن المهم أن ندرك أن ليس كل ما يقوم به الموهوب يجب أن يكون صحيح ومثالي هو في النهاية إنسان يصيب ويخطئ وهذا ليس عيب أو نقص إنما تجارب وخبرات يستفيد ويتعلم منها تجعله يتطور ويتقدم بطريقته الخاصة التي تناسبه

يجب أن نفهم ونعي احتياجات الموهوب ونتعامل معها بشكل منطقي ومعتدل ونراعي الجوانب المختلفة من الاحتياجات النفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية ولا نحمله عبء وثقل يفوقه حتى لو كان عمل يحبه ويجيده

فمتى ما شعر الموهوب أنه تحت وطأة التقييم والتدقيق والملاحظة غالبا شق عليه وأثقل على نفسه بينما إعطاءه مساحة من الحرية بلا قيود أو توقعات تخفف عليه فينطلق ويبدع في عالمه ومجاله الذي يحبه

تصحيحنا لتوقعاتنا وفهمنا لاحتياجاته تساعده على التطور والتقدم وتقلل شعوره بالعجز والضغط في رحلة حياته


ختاما ..

رسالتي للموهوب: قدراتك ومهاراتك لا تعني أنك تجيد كل شيء الكمال لله وحده، لا يجب أن يكون كل ما تفعله صحيح ومثالي الخطأ وارد وطبيعي وهو الذي يصقلك ويعلمك ويجعلك أقوى وأكثر إدراكا وتقدما.

رسالتي للأسر والمجتمع: تقبلوا اختلاف الموهوب وساعدوه على التطور والنمو، التوقعات المبالغة تضر ولا تنفع التعامل مع الموهوب بحكمة ووعي وفهم احتياجاته تخفف العبء عليه وتجعل يقدم أفضل ما لديه.


نوره العليوي

mawhibty@

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مستويات الموهبة

تاءات التفوق

ثمار الموهبة